مختارات من 

تفسير القران الكريم

 





" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "  ال عمران – الاية 26

 يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره :

 ونلاحظ هنا: أن إيتاء الملك في أعراف الناس خير. ونزع الملك في أعراف الناس شر. ولهؤلاء نقول: إن نزع الملك شر على من خُلِعَ منه، ولكنه خير لمن أوتي الملك. وقد يكون خيرا لمن نزع منه الملك أيضا. لأن الله حين ينزع منه الملك، أو ينزعه من الملك يخفف عليه مؤونة ظلمه فلو كان ذلك الملك المخلوع عاقلا، لتقبل ذلك وقال: إن الله يريد أن يخلصني لنفسه لعلى أتوب..

فتأمل ...

أهديها لكل ملك نزع الله منه الملك ... كما أهديها لمؤيديه ...  ... ولعله لم  يتأمل في قدر الله عندما نزع منه الملك ولعله لم يأخذ العبرة من تقادير الله ... وأخذ يحارب هو ومؤيديه من أجل عودة الملك اليه ... ولعل الخير هو ما أراده الله له وهو لا يدري ...

 

 

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

 هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نَفير الأحياء مع الرسول في غزوة تبوك، فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } [التوبة: 41]، وقال: { مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ } [التوبة: 120]، قالوا: فنسخ ذلك بهذه الآية.

 قد يقال: إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو، فيجتمع لهم الأمران في هذا: النفير المعين وبعده، صلوات الله وسلامه عليه، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده، { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } يعني: عصبة، يعني: السرايا، ولا يَتَسرَّوا (1) إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا، وقد تعلمناه. فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخرى، فذلك قوله: { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } يقول: ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .

وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا، ومن الخصب (2) ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله، عز وجل: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } يبتغون (3) الخير، { لِيَتَفَقَّهُوا [فِي الدِّينِ] } (4) وليستمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم، { وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ } الناس كلهم { إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .

وقال قتادة في هذه الآية: هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش، أمرهم الله ألا يُعرَوْا (5) نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم.

وقال الضحاك: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحلْ لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه، إلا أهل الأعذار. وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن، تلاه رسول (6) الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين (7) معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا. فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } يقول إذا أقام رسول الله { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } يعني بذلك: أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا، وقعد معه عُظْم (8) الناس.

 وقال [علي] (1) بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس: قوله: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } فإنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مُضر بالسنين أجدبت بلادهم، وكانت القبيلة منهم تُقبِل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد، ويعتلّوا بالإسلام وهم كاذبون. فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم. فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله إلى عشائرهم، وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: { وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .

وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية: كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم. فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم، ويتفقهون في دينهم، ويقولون لنبي الله: ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبرنا [ما نقول] (2) لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم. قال: فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة. وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: إن من أسلم فهو منا، وينذرونهم، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة.

وقال عكرمة: لما نزلت هذه الآية: [الشريفة] (3) { إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (4) } [التوبة: 39]، و { مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا [عَنْ رَسُولِ اللَّهِ] } [التوبة: 120]، (5) قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه. وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم، فأنزل الله، عز وجل: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } الآية، ونزلت: { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ } الآية [الشورى: 16].

وقال الحسن البصري: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } قال: ليتفقه الذين خرجوا، بما يردهم الله من الظهور على المشركين، والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

 ابن كثير

 

 

 

والله جعل لكم من بيوتكم سكناً ، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين . والله جعل لكم مما خلق ظلالاً؛ وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم . كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون

 

( في ظلال القرآن )

ويخطو السياق خطوة أخرى في أسرار الخلق وآثار القدرة ومظاهر النعمة ، يدخل بها إلى بيوت القوم وما يسر لهم فيها وحولها من سكن ومتاع وأكنان وظلال!

{ والله جعل لكم من بيوتكم سكناً ، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين . والله جعل لكم مما خلق ظلالاً؛ وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم . كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } . .

والسكن والطمأنينة في البيوت نعمة لا يقدرها حق قدرها إلا المشردون الذين لا بيوت لهم ولا سكن ولا طمأنينة . وذكرها في السياق يجيء بعد الحديث عن الغيب ، وظل السكن ليس غريباً عن ظل الغيب ، فكلاهما فيه خفاء وستر . والتذكير بالسكن يمس المشاعر الغافلة عن قيمة هذه النعمة .

ونستطرد هنا إلى شيء عن نظرة الإسلام إلى البيت ، بمناسبة هذا التعبير الموحي : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } . . فهكذا يريد الإسلام البيت مكاناً للسكينة النفسية والاطمئنان الشعوري . هكذا يريده مريحاً تطمئن إليه النفس وتسكن وتأمن سواء بكفايته المادية للسكنى والراحة ، أو باطمئنان من فيه بعضهم لبعض ، وبسكن من فيه كل إلى الآخر . فليس البيت مكاناً للنزاع والشقاق والخصام ، إنما هو مبيت وسكن وأمن واطمئنان وسلام .

ومن ثم يضمن الإسلام للبيت حرمته ، ليضمن له أمنه وسلامه واطمئنانه . فلا يدخله داخل إلا بعد الاستئذان ، ولا يقتحمه أحد بغير حق باسم السلطان ، ولا يتطلع أحد على من فيه لسبب من الأسباب ، ولا يتجسس أحد على أهله في غفلة منهم أو غيبة ، فيروع أمنهم ، ويخل بالسكن الذي يريده الإسلام للبيوت ، ويعبر عنه ذلك التعبير الجميل العميق!

ولأن المشهد بيوت وأكنان وسرابيل ، فإن السياق يعرض من الأنعام جانبها الذي يتناسق مع مفردات المشهد : { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } . وهو هنا كذلك يستعرض من نعمة الأنعام ما يلبي الضرورات وما يلبي الأشواق ، فيذكر المتاع ، إلى جانب الأثاث . والمتاع ولو أنه يطلق على ما في الأرحال من فرش وأغطية وأدوات ، إلا أنه يشي بالتمتع والارتياح .

ويرق التعبير في جو السكن والطمأنينة ، وهو يشير إلى الظلال والأكنان في الجبال ، وإلى السرابيل تقي في الحر وتقي في الحرب : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً ، وجعل لكم من الجبال أكناناً ، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ، وسرابيل تقيكم بأسكم } وللنفس في الظلال استرواح وسكن ، ولها في الأكنان طمأنينة ووسن ، ولها في السرابيل التي تقي الحر من الأردية والأغطية راحة وفي السرابيل التي تقي البأس من الدروع وغيرها وقاية .

وكلها بسبيل من طمأنينة البيوت وأمنها وراحتها وظلها . . ومن ثم يجيء التعقيب : { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } والإسلام استسلام وسكن وركون . .

وهكذا تتناسق ظلال المشهد كله على طريقة القرآن في التصوير .

فإن أسلموا فبها . وإن تولوا وشردوا فما على الرسول إلا البلاغ  ( الظلال )

 

 

 

 كذلك وأورثناها بي اسرائيل (  59  )  الشعراء

 أي: أورثنا هذا النعيم من بعدهم لبني إسرائيل، وهنا قد يسأل سائل: كيف وقد ترك بنو إسرائيل مصر وخرجوا منها، ولم يأخذوا شيئاً من هذا النعيم؟

قالوا: المعنى أورثهم الله أرضاً مثلها، قد وعدهم بها في الشام.


الشعراوي

 

_____________________________________________
كذلك وأورثناها بي اسرائيل (  59  )  الشعراء

ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك، فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدَّهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان.

فضمير { أورثناها } هنا عائد للأشياء المعدودة باعتبار أنها أسماء أجناس، أي أورثنا بني إسرائيل جناتٍ وعيوناً وكنوزاً، فعَود الضمير هنا إلى لفظ مستعمل في الجنس وهو قريب من الاستخدام وأقوى منه، أي أعطيناهم أشياء ما كانت لهم من قبل وكانت للكنعانيين فسلط الله عليهم بني إسرائيل فغلبوهم على أرض فلسطين والشام. وقد يعود الضمير على اللفظ دون المعنى كما في قولهم: عندي درهم ونصفُه، وقوله تعالى:
إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثُها إن لم يكن لها ولد }
[
النساء: 176]، إذ ليس المراد أن المرء الذي هلك يرث أخته التي لها نصف ما ترك بل المراد: والمرء يرث أختاً له إن لم يكن لها ولد، ويجوز أن يكون نصب الضمير لفعل «أورثنا» على معنى التشبيه البليغ، أي أورثنا أمثَالها. وقيل ضمير: { أورثناها } عائد إلى خصوص الكنوز لأن بني إسرائيل استعاروا ليلة خروجهم من جيرانهم المصريين مصوغهم من ذهب وفضة وخرجوا به كما تقدم في سورة طه.


ابن عاشور

 

   

الذي أراه -والله اعلم-أن آية سورة الدخان ( كذلك وأورثناها قوما آخرين )  الوراثة فيها لمن بقي من أهل مصر بعد هلاك فرعون وجنوده أما آية سورة الشعراء ( كذلك وأورثناها بني اسرائيل )  فهي تخص بني اسرائيل وما انعم الله عليهم مما ملكوه في الشام في عهد ملوكهم وأنبيائهم داوود وسليمان وغيرهم فالهاء في قوله تعالى في الشعراء(وأورثناها )تعود على الكنوز والخيرات بصفة عامة وليس ما ورثوه من كنوز فرعون وبهذا نجمع بين الآيتين -والله اعلم


 

 

Make a free website with Yola